ابن خفاجة الأندلسي



ابن خفاجة الأندلسي

صنوبري الأندلس

450 ـ 533هـ = 1058 ـ 1138م

مقدمة

إن تاريخ الأدب العربي حافل بالصفحات المشرقة مما يجعل منه أحد الآداب الكبرى في العالم وهو أدب ولد ناضجا أو بمعنى أدق إن أقدم ما وصل إلينا منه يحمل سمات الشخصية الأدبية الحية الأصيلة الجديرة بأن تعيش على مر العصور وينفرد الأدب الأندلسي من بين المراحل المختلفة بأنه يجمع مزايا كثيرة هي بنت اللقاء بين الشرق والغرب ففيه رصافة الأدب العربي القديم وفيه الجدة التي تتحرك في الموشحات والأزجال وفيه رومانسية ابن زيدون وخفة روح أبو الحكم الغزال فيه باختصار شديد أروع ما يمكن أن يوجد في أدب أمة من الأمم ولذا وجد شعراء العصر الأندلسي كل تقدير وعناية من العلماء والأدباء والمؤرخين قديما وحديثا ومن أبرز شعراء الأندلس - ابن خفاجة الأندلسي- من أعلام الشعراء الأندلسيين في القرنين الخامس والسادس الهجريين ...
ابن خفاجة الأندلسي
اسمه
أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الجعواري الأندلسي
وورد في وفيات الأعيان لابن خلكان :
" هو أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي الشاعر "
مولده
ولد في سنة 450 هـ/1058 م
محل الميلاد
في بلدة " شقر " بضم الشين المثلثة وسكون القاف والراء المهملة وإنما قيل لها جزيرة لأن الماء محيط بها فهي من أعمال بلنسية إحدى عواصم الأندلس و ليست شقر جزيرة في البحر وإنما هي بليدة بين شاطبة و بلنسية قيل لها جزيرة لإحاطة الماء بها و كانت شقر من أجمل بقاع الأندلس وأخصبها تربة وفيها قضى معظم شبابه وشيخوخته وقد تركت الجزيرة بمناظرها الطبيعية الجميلة أثراً كبيرا في شاعريته
جاء في المطرب من أشعار أهل المغرب ج 1 / ص 30
" من أعيان مدينة شقر وهي جزيرة قد أحدق النهر بها كما أحدق بحدقة شفر وحسبك من ماء سائح وطائر صادح وبطاح عرضة ورياض أريضة فلا ترى إلا انسجام الغمام
ولا تسمع إلا ترنم البلبل والحمام "
أسرته
كانت أسرته على جانب من اليسار والاهتمام بالعلم والأدب مما جعل موهبته في نظم الشعر والكتابة تظهر في وقت مبكر وكان والده من أعيان المدينة فعاش في سعة منا لعيش بسبب ضيعة كان يمتلكها عُرِف بالتأنق في مظهره ومطعمه ولم يشتغل بعمل ولم يتزوج قط
العصر الذي عاش فيه
وعاش في أيام ملوك الطوائف إبان دولة المرابطين و لكنه لم يتعرض لاستحاثهم
حياته
عكف على اللهو وتعاطى الشعر والنثر فبرع فيهما حتى أعجب به مواطنوه وعدوه واحد عصره و أقلع في كهولته عن صبوته وعكف على وصف الطبيعة
أي- أن ابن خفاجة قد مر بمرحلتين في حياته :
أولاهما : مرحلة الترف والشباب والإغراق في الملذات
والأخرى : مرحلة النضج وتوجُّس الحياة والخوف من الموت خوفًا مرضيًا ولذلك لا أعاد النظر في بعض قصائده الأولى سائلاً الله العفو والغفران
صفاته
كان نزيه النفس لا يتكسب بالشعر ولا يمتدح رجاء الرفد والعطاء وكان يعد أديب الأندلس وشاعرها بدليل ما وصفه به المقري في كتابه نفح الطيب " وكان رقيق الشعر أنيق الألفاظ غير أن ولوعه بالصنعة وتعمده الاستعارات والكنايات والتورية والجناس وغيرها من المحسنات المعنوية واللفظية جعل بعض شعره متكلفا وأوقع بعضه في الغموض "
ذكره ابن بسام في الذخيرة وأثنى عليه وقال "كان مقيماً بشرق الأندلس ولم يتعرض لا ستماحة ملوكها مع تهافتهم على أهل الأدب "
قال عنه ابن بسام في الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ج 6 / ص 541
" الناظم المطبوع الذي شهد بتقديمه الجميع المتصرف بين حكمه وتحكمه البديع تصرف في فنون الإبداع كيف شاء وأتبع دلوه الرشاء فشعشع القول وروقه ومد في ميدان الإعجاز طلقه فجاء نظامه أرق من النفس العليل وآنق من الروض البليل يكاد يمتزج بالروح وترتاح إليه النفس كالغصن المروح إن شئت فغمزات الجفون الوطف أو إشارة الأنامل التي تعقد من اللطف وإن وصف سراه والليل بهيم ما له وضوح وخذ الثرى بالندى منضوح فناهيك من غرض انفرد بمضماره وتجرد لحمي ذماره وان مدح فلا الأعشى للمحلق ولا حسان لأهل جلق وإن تصرف في فنون الأوصاف فهو فيها كفارس خصاف وكان في شبيبته مخلوع الرسن في ميدان مجونه كثير الوسن ما بين صفا الإنهاك وحجونه، لا يبالي بمن
التبس ولا بأي نار اقتبس إلا أنه قد نسك اليوم نسك ابن أذينة وأغضى عن إرسال نظره في أعقاب الهوى عينه وقد أثبت له ما يقف عليه اللواء، وتصرف إليه الأهواء نشأ ببلاد الجانب الشرقي من الأندلس فلم يذكر معه هناك محسن، ولا لغيره فيه وقت حسن ولا أعرفه تعرض لملوك الطواف بوقتنا على أنه نشأ في أيامهم ونظر إلى تهافتهم في الأدب وازدحامهم وهو اليوم بمطلعه من ذلك الأفق يبلغني من شعره ما يبطل السحر ويعطل الزهر وقد أثبت بعض ما وقع إلي من كلامه فتصفخه تعلم أنه بحر النظام وبقية الأعلام ... "
شعره
كتب الشعر في مختلف أغراضه المعروفة وإن كانت أوصاف الطبيعة هي الغالبة على ديوانه وكان المدح أقل هذه الأغراض في شعره كما أن الرثاء ورؤية الموت لهما وقع خاص في نفسه
ولكنه تفرّد بوصف الطبيعة وكان أسبق الناس فيها حتى لقبه أهل الأندلس "بالجنّان " فقد رافقته الطبيعة في جميع أغراض شعره فهو يتحدّث إليها كما يتحدث إلى شخص ذي حياة وحركة
من أكثر قصائده شهرة قصيدة وصف الجبل وهي تشف عن رؤيته للموت والحياة ويصور من خلالها كيف أن الجبل يحس السأم لطول بقائه ويتمنى الموت والفناء على حين أن ابن خفاجة يخشى الموت ويتمنى الخلود والبقاء ويخلص إلى أن ل سبيل إلى تحقيق الأمنيتين
ولأنه تفرد بالوصف والتصرف فيه ولاسيما وصف الأنهار والأزهار والبساتين والرياض والرياحين فكان أوحد الناس فيها حتى لقبه أهل الأندلس بالجنان أي البساتين ولقبه الشقندي بصنوبري الأندلس
فالطبيعة إذا عند ابن خفاجة هي كل شيء فقد شغف بها و مزج روحه بروحها وبادلها الشعور و الإحساس و كان يتحدث إليها كما يتحدث إلى شخص ذي حياة و حركة
فابن خفاجة من شعراء الطبيعة ولعل ميزته هي في الكثرة لا في الجدة و قد أكثر من صيغ شعره بألوان البيان والبديع من أستعارات وتشابيه وجناس وطباق وقاده هذا الميل إلى التكلف فاستغلقت معانيه أحياناً على القراء
و لإبن خفاجة قطع نثرية تعمد فيها أسلوب ابن العميد و الهمذاني من حيث السجع والتعمل والتزام المحسنات اللفظية
جاء في المغرب في حلى المغرب ج 1 / ص 198
" من الذخيرة : الناظم المطبوع الذي شَهِدَ بتقديمه الجميع المتصرف بين أشتات البديع
ومن القلائد : مالك أعنَّة المحاسن وناهج طريقها العارف بتَرْصيعها وتنميقها الناظم لعُقودها الرَّاقم لبُرودها
ومن المسهب : هو اليوم شاعر هذه الجزيرة لا أعرف فيها شرقاً ولا غرباً نظيره "
ديوانه
جمع ابن خفاجة ديوانه بنفسه في حياته وكتب خطبته التي أبان فيها منهجه في جمع الديوان وطرفاً من آرائه النقدية وقد قدم لبعض القصائد بمقدمات نثرية تشف عن أسلوبه النثري الرصين وطريقته الفريدة في الكتابة فله ديوان شعر مطبوع ومحقق قد أحسن فيه كل الإحسان كما كان له نثر جيد
وفاته
توفي فيها سنة 533 هـ/1137م
الطبيعة في شعر ابن خفاجه
وهب الله الأندلس طبيعة ساحرة ووافرة جمالاً جبالها الخضراء وسهولها الجميلة وتغريد طيورها على أفنان أشجارها كل ذلك له أثره في جمال الأندلس التي شغفت بها القلوب وهامت بها النفوس ومن هنا نجد تَعَلُّق الأندلسيين بها يسرحون النظر في خمائلها وأخذ الشعراء والكتاب ينظمون درراً في وصف رياضها ومباهج جنانها
يقول ابن خفاجة :
يأهل الأندلس لله دركم      ماء و ظل و أنهار و أشجار
ما جنة إلا في دياركم       و لو تخيرت هذي كنت أختار
إن للجنة بالأندلس          تجتلى عين و ريا نفس
فسنا صبحتها من شنب     و دجا ليلتها من لعس
يا رب ليل فيه معانقي      طيف ألم لظبية الوعساء
ولم يكن جمال الطبيعة في الأندلس هو وحده الذي ساعد على ازدهار شعر الطبيعة هذا بل أن حياة المجتمع الأندلسي أثرت أيضاً في هذا الشعر الذي يمثل تعلق الشعراء الأندلسيين ببيئتهم وتفضيلها على غيرها من البيئات ولكون الشعر عندهم يصف طبيعة الأندلس سواء الطبيعية أو الصناعية فهم يصورونها عن طريق الطبيعة كما أبدعها الله في الحقول والرياض والأنهار والجبال والسماء والنجوم ويصفونها كما صورها الفن لديهم في القصور والمساجد والبرك والأحواض وغيرها فابن خفاجة شاعر الطبيعة ومصوّرها، وقد امتلأت نفسه وعينه من جمال الحياة وجال الطبيعة فراح يبرز هذا الجمال المعنوي في صور مختلفة من الجمال اللفظي فانتقى الأساليب الصافية والألوان الزاهية ودّبجها بزخرف البديع ووشّاها بكثير من المجاز والتشبيه فأُطلق عليه لقب شاعر الطبيعة وذلك لكثرة ما كُتب ضمن قصائده عن الطبيعة وجمالها في الأندلس فوُصف ابن خفاجة المدّاح أقل وزناً وشأناً من ابن خفاجة الوصاف والغزّال ووصفه متعدد الألوان والإيقاعات وغزله رقيق صادق المشاعر وخاصة عندما يصف الطبيعة في ضوء مفاتن المرأة ...
وابن خفاجة بحكم النقاد ومؤرخي الأدب العربي ُيعتبر من شعراء الطبيعة فكان يتفاعل مع الطبيعة الأندلسية ويتأثر بها فيشاطرها همومه وأشجانه ويقاسمها مشاعره التي تفيض حباً وحناناً فاستعان بصورها وقاموسها وألفاظها في شتئ أغراضه الشعرية إنّ ذلك التفاعل الحاصل بين الشاعر وبين المشهد الطبيعي يزيد من حيوية الفن وقدرته على التأثير لأنه يكون أكثر صدقاً في الإثارة وفي البناء والصياغة فلم يتخذ ابن خفاجة الطبيعة لذاتها مكتفياً بوصفها ونقل محسوساتها الخارجية وليس ذلك بمعجز له أو صعب عليه وهو الشاعر القدير على النظم والصياغة ولكنه اتخذ من الطبيعة بجزيئاتها ومظاهرها ومفاتنها عنصراً مكملاً ومتداخلاً مع أشياء أخرى فلم يتخذها مسرحاً أو مكاناً للحدث وإنما جعلها جزءاً منه فأنطقها وطبع عليها صفات إنسانية ومنحها حواساً بشرية فهي ترى وتسمع وتشم وهي تضحك وتبكي وتفرح وتتألم
إنّ اسقاط الحواس على الطبيعة وبالصيغة التي عرفتها بعض قصائد ابن خفاجة وبالطريقة التي تعامل معها شاعرنا لم تكن معروفة لدى شعراء أندلسيين آخرين كانوا يتباهون ويتبارون بمقدار نجاحهم في إيجاد صورة جميلة لزهرة أو بستان أو نهر أو تشبيه أو استعارة أو غير ذلك لمظهر من مظاهر الطبيعة التي تحيط بهم وتضم ليالي أنسهم أو مجالس سمرهم
ولكن ابن خفاجة كان يشترك مع شعراء عصره في الاستعانة بألفاظ الطبيعة وديباجتها وجمالها في أغراضهم الشعرية المختلفة تتسلل إلى قصائدهم لغة أو صورة أو تشبيها أو كناية أو استعارة فكان معجم الطبيعة طاغياً على الشعر الأندلسي عموماً بُعيد القرن الرابع الهجري فكان الإغراق في استخدام عناصر الطبيعة ومفرداتها سبباً في اتصاف الشعر الأندلسي وأهل الأندلس بعشق الطبيعة والهيام بمفاتنها والتعلق بها ولا نريد أن نسترسل في هذا الموضوع فنتحدث عن ولع الأندلسيين بالبيئة وألوانها ومناظرها وصورها ولكننا نريد أن نقف عند حالة فريدة وجديدة كان لها أثر كبير في الدراسات اللاحقة، لأنها تشكل تحولاً كبيراً في الشعر العربي ألا وهي من شعر ابن خفاجة في الطبيعة
يعد ابن خفاجة أشهر شُعراء الأندلس في موضوع وصف الطبيعة ولعل شعره يفيض بالمزايا التي تجعله في مقدمة شعراء العرب القُدامى في هذا الفرض فقد أكثر من وصف الطبيعة الأندلسية ووصل بين الطبيعة وبين معظم أغراض الشعر الأُخرى وجعل مفردات الطبيعة على اختلاف أنواعها معجماً لُغوياً وفنياً يرجع إليه في صناعته الشعرية وربط بين الطبيعة وبين رؤيته الخاصة للحياة بما فيها من عظاتٍ وعِبر
فالطبيعة هي المعنى التي تتفجر منه شاعريته وفي أرجائه يطوّف خياله إنها كائن حيّ يحبّها وتحبّه يناجيها وتناجيه بصحبتها تطيب الساعات وبأفيائها تخلو رقائق العيش وربما كانت صرخة ابن خفاجة أصدق تعبير عن هيام الأندلسيين ببقعة لا يعدلون بها جنّة الخلد
ومهما تعددت أغراض الشاعر في شعرهِ فإن الطبيعة تظلّ بارزة فإذا فرح شاركته حبورها فهو مغرم بأساليب البيان يستقومها من الطبيعة كموضوع وحي لا ينضب : فالطيور قيان وشدوها غناء ورجعها موسيقى والندى درر والنور عقد والورق عطاء
يقول ابن خفاجة في وصف الحديقة
وصقـيلة الأنوارِ تلـوي عِطـفَها   ريحٌ تلفّ فروعـها معـطار
عاطـى بها الصهباءَ أحوى أحورٌ    سَحّابُ أذيال السّـُرى سحّار
والنَّورُ عِقدٌ والغصـونُ سـوالفٌ   والجذعُ زَندٌ والخـليج سوار
بحديـقة مثـل اللَّمـى ظِلـاَّ بـها   وتطـلعت شَنَبا بها الأنـوار
رقص القضيبُ بها وقد شرِبَ الثرى   وشـدا الحمامُ وصَفَّق التيار
فَتطـلّعت في كل مَـوِقع لحـظةٍ   من كل غُصـنٍ صَفحةٌ وعِذارُ
نلاحظ في الأبيات السابقة بأن فنّ النوريات قد أزدهر بشكل واسع في بيئة الأندلس ومن أهم العّوامل التي ساعدت على انتشاره :
وفرة الأزهار و الرخاء الاجتماعي و شغف الملوك بالنواوير وشروح حياة اللهو وقد سحر الشعراء بمفاتن الأنوار فتباهوا في وصغ ألوانها وأشكالها ولعهم بمباهج الزهر فإن بقيت صوره مطبوعة على صفحات خياليه يتمثل ذلك في وصف ابن خفاجة حديقة اللمى
في البيت الأول :
تبدو النوار في القصيدة وكأنها امرأة فلها من صفاتها، تحنو هذه الأخيرة بعطفها على الرجل لترويه عطفها وحنانها وهنا تلوي النوار عطفها على الأرض لتحضنها بين أحضانها فتصبح بذلك كرجل يتنعم بعاطفة محبوبة، لقد شخّص الشاعر النوار بامرأة لأنها تتميز بعطرها الأخّاذ فتبدو وكأنها سرقت عطرها من الزهرة البيضاء
في البيت الثاني :
كما يحاول الشاعر دمج الطبيعة بالإنسان عامّة بالمرأة خاصةً في جو عابق بالسعادة والراحة فرآها تتعاطى الخمر بين أزهار النّوار وتبدو تلك الجارية الأخّاذة ذات العينين السوداويين ترتدي ثوباً طويلاً ملامساً الأرض
إذاً : في البيت الثاني يظهر المثلث الذي لا يتفرّق عند شاعرنا والذي يتأسس على موضوع الطبيعة والمرأة والكأس
في البيت الثالث :
ثم توحّدت نفس الشاعر مع نفس الطبيعة توحّداً ثابتاً، وجعلت من صورها أشخاصاً حيّة تتمتع بميزات إنسانية وهذا الاندماج الموحّد يظهر بصورة واضحة عندما يربط بين الطبيعة والمرأة فقد جعل النور عقداً كي تزيّن المرأة عنقها لإبراز جمالها كما رأى في الغصون المتفرعة شعر المرأة المتدلي واستخدم الجزع للزند كمصدر قوّة وأمان كما أن التفاف الزهر في الحديقة يبدو وكأنه سوار إذاً نستنتج أنّ السوار والزند والسوالف كلها عناصر أساسية خاصة بالمرأة
في البيت الرابع :
ويمثل بين المرأة والحديقة أصدق تمثيل فلو حذفنا كلمة حديقة لكان البيت يتحدث عن المرأة باللمى والأسنان البيضاء والأنوار والعيون فالحديقة ليست زهوراًُ وأنواراً تعصف بها الرياح فبقى على أوراق الأشجار وتعزف في جناتها العصافير إنما هي امرأة مشتاه يلمّتها وفمها وقدّها وعطفها وزندها فبتنا تشوبنا الحيرة أنحن في حضرة امرأة الشاعر أم في حديقته
في البيت الخامس :
كما تبدو الطبيعة وكأنها في حفل فنرى القضيب في حالة سكر وقد بدأ بالرقص بعد شربه الخمر الذي يرمي في النفس الفرح والمتعة وفي الفكر نسيان الواقع المزعج وهنا نسي القضيب واقع الجماد بعد شربه الثرى ثم يضيف الحمام جوّ الفرح إلى الطبيعة بغنائه الجميل وكل حفل ينتهي بالتصفيق وقد صفقت أوراق الأشجار عربون تهنئة وفي هذا الحقل أو العرس تتسابق المرأة والطبيعة على إبراز نشوتها















الخاتمة



كانت البيئة الأندلسية تنعم بجمال وروعة آسرة وتصطبغ بظلال وارفة وألوان ساحرة تتنفس بجو عبق عطر يضاعف من روعته وبهائه ما يتخلل جنباتها من مواطن السحر ومظاهر الفتنة التي تبعث الانبهار والدهشة في النفوس وقد انعكس ذلك في شعر الأندلسيين بشكل عام حيث ازدحم بصور متنوعة ملونة تمثل البيئة الطبيعية في هذه الرقعة المسماة بالأندلس
ومن هنا تشكلت صورة الأندلس في الأذهان متقاربة في أوصافها وألوانها وقسماتهاهذه الصورة كانت تأخذ عطرها وعبقها وملامحها وألوانها من الطبيعة فهي أقرب إلى لوحة فنية ناطقة إنها بستان زاهٍ أو حديقة غناء أو واحة خضراء ...