" بحث تأثير نظم المعلومات على الإدارة الحكومية في المدينة العربية في ظل الثورة الرقمية "



{تأثير نظم المعلومات على الإدارة الحكومية في المدينة العربية في ظل الثورة الرقمية}




ملخص البحث:


لقد غيرت الثورة الرقمية ـ المتمثلة في المعلومات والاتصالات ـ التي يشهدها العالم الآن الكثير من المفاهيم الإدارية والعمرانية والتسويقية، فنجد أن معظم الدول المتقدمة تقنيا أصبحت تعتمد اعتمادا أساسيا في عملها على نظم المعلومات، وإدخال هذه التقنية في معظم الأجهزة الحكومية والخاصة، وعلى الأخص في الأجهزة الإدارية التي تقوم بتقديم الخدمات العامة للمواطنين، ومعظم تلك الأجهزة لها اتصال مباشر من خلال شبكات الحاسب. ولقد أدركت مختلف بلدان العالم الثالث بما فيها الدول العربية أهمية نظم المعلومات، ودخلت الكثير منها بدرجات متفاوتة هذا المجال لكي تشارك في مجال الاستفادة العلمية والاقتصادية والعمرانية.
وتواجه حاليا معظم الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية ضغوطا ملحة لمواجهة التحديات المتعلقة بهذا التغير التقني، حيث اتضحت التأثيرات التي يمكن أن تحدثها أنظمة المعلومات الحديثة في جميع ميادين التنمية. وأصبح من غير الممكن بعد اليوم التفكير بالتنمية في أي مجال عمراني أو اجتماعي أو اقتصادي دون الاهتمام بالقضايا المتصلة بأنظمة المعلومات ومواردها.
يهدف البحث إلى دراسة مدى تأثير استخدام وتطبيق نظم المعلومات علي الأجهزة الإدارية الحكومية في المدينة العربية، وكذلك رصد الوضع الراهن لتلك الأجهزة من خلال إبراز أهم المشكلات التي تواجهها، وأهم المعوقات التي تحول دون استخدام نظم المعلومات بالشكل الأمثل.
لتحقيق أهدف البحث أمكن جمله في خمسة أجزاء رئيسية، حيث يناقش الجزء الأول نظم المعلومات كمدخل لتحقيق تنمية إدارية جيدة. ويتناول الجزء الثاني مظاهر تطبيق نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية، بينما يرصد الجزء الثالث التأثير المتوقع من تطبيق نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية. ويطرح الجزء الرابع أهم المشكلات التي تواجهها الأجهزة الإدارية الحكومية في سبيل تطبيق نظم المعلومات، ويلقي الجزء الخامس من البحث الضوء على أهم المعوقات التي تحول دون الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية، وينتهي البحث بخلاصة لأهم النقاط التي طرحها.

المقدمة: 


ربما تكون أهم مشكلات الدول العربية هي مشكلة الإدارة بشكل عام والإدارة الحكومية بشكل خاص أكثر من كونها مشكلة فقر أو نقص موارد وخلافه، فالموارد الطبيعية والبشرية بها ثرية ومتعددة الجوانب، ولكن الإدارة هي المشكلة الرئيسية على اختلاف أسبابها ومقوماتها، وينعكس ذلك بطبيعة الحال على المدينة العربية التي تعاني من مشكلات عديدة ومتباينة(1).
ولقد كانت الموارد المادية والكوادر البشرية هي أهم الموارد التي تحتاجها الأجهزة الإدارية الحكومية (الشركات، والمؤسسات، والوزارات) في أعمالها إلى أن ظهر دور المعلومات وبرزت أهميته(2)، حيث تلعب المعلومات دورا خطيرا في الأجهزة الإدارية الحكومية المعاصرة، فهي أداة من أدوات الإدارة الحديثة، وضرورية لإجراء الاتصال والتنسيق والرقابة، كما أن المشاركة في المعلومات عامل مهم لاتخاذ القرارات. فقد أصبحت المعلومات ونظمها ضرورية للقيام بالعمليات والأنشطة المختلفة داخل تلك الأجهزة الإدارية(3).
ويشهد العالم منذ سنوات قليلة ماضية تطور هائل في نظم المعلومات على مستويات عدة، الأمر الذي يستلزم الأخذ بها واستخدامها تطبيقها في الأجهزة الإدارية الحكومية في الدول العربية، حيث تعتبر أحد الموارد الأساسية لتلك الأجهزة سلاحها الاستراتيجي في التعامل مع الظروف الحالية التي تتصف بالتغير السريع واشتداد حدة المنافسة ليس فقط علي المستوى المحلي وإنما أيضا على المستوى الدولي، وذلك حتى تستطيع تلك الأجهزة التغلب على كافة المعوقات الروتينية من جهة والتواؤم مع طبيعة العصر ومنتجاته الالكترونية مع جهة أخرى(4).

1- نظم المعلومات مدخل لتحقيق تنمية إدارية جيدة:
نظم المعلومات هي نظم آلية تتكون من مجموعة من المكونات التي تستخدم للقيام باستقبال موارد البيانات، وتحويلها إلى منتجات معلوماتية، والشكل رقم (1) نموذج تصوري لمكونات نظام المعلومات يوضح أهم موارده وأهم أنشطته، وتتعامل نظم المعلومات مع جميع الأنشطة المتصلة بالمعلومات، واتخاذ القرارات لتشغيل الجهاز الإداري بغرض رفع كفاءته وفاعليته عن طريق توفير المعلومات وتدعيم قرارات المسئولين(5).


وتلعب المعلومات دورا هاما في تحقيق التكامل بين المتغيرات الخارجية وبين احتياجات وإمكانيات وقدرات الأجهزة الإدارية. وهناك عديد من الاتجاهات في الأجهزة الإدارية تبرز الحاجة إلى ضرورة وجود نظام للمعلومات من أهمها الاتجاه إلى زيادة التخصص وتقسيم العمل، وظهور أساليب جديدة في اتخاذ القرارات، والاتجاه نحو اللامركزية في الإدارة، والتوظيف المؤقت للاستفادة من مهارات معينة ولأداء مهام محددة، وبروز ظاهرة العولمة والتحول نحو اقتصاد الخدمات(4).

1-1 أهمية المعلومات للأجهزة الإدارية:
تعتبر الأجهزة الإدارية الحكومية هي المنتج الأساسي للمعلومات الموجهة نحو الاستخدامات العامة، وفي الدول النامية تكون تلك الأجهزة غالبا هي المنتج الوحيد للمعلومات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية(3). ويمكن القول بأن المسئولين في الأجهزة الإدارية ينظرون إلى المعلومات على أنها واحد من ثلاثة: مورد، أو أصل، أو أنها سلعة.

1-1-1 المعلومات كمورد: Information as a Resource
تمثل المعلومات أحد الموارد المستخدمة في تحقيق أهداف مشروع ما، تماما مثل النقود والمواد الخام والآلات وغيرها من الموارد التي يعمل المسئولين على حسن استغلالها والتنسيق بينها بما يحقق صالح المشروع. على سبيل المثال، فإن تزويد المسئولين بمعلومات جيدة عن طلب المستهلكين على منتجات المشروع سوف يمكنهم من جدولة الإنتاج بالشكل الذي يحقق أفضل ربح ممكن، ويقلل من مستويات المخزون السلعي إلى أدنى حد.

1-1-2 المعلومات كأصل: Information as an Asset
يمكن النظر إلى المعلومات بوصفها أصل من الأصول التي تمتلكها الإدارة، مثلها في ذلك مثل المباني والآلات والخامات التي تسهم في العملية الإنتاجية. ويؤكد هذا على أهمية أن يعامل المسئولين نظم المعلومات كاستثمار من الاستثمارات، الأمر الذي يعطي الجهاز الإداري ميزة نسبية في مواجهة المنافسين في الأسواق.

1-1-3 المعلومات كسلعة: Information as a Commodity
يمكن اعتبار المعلومات سلعة من السلع التي تنتجها الإدارة، سواء لغرض الاستخدام الداخلي مثل الرقابة وتقييم الأداء أو دعم القرار، أو لغرض البيع في الأسواق مثل إنتاج الأفلام الإعلامية(7).

1-2 أهمية نظم المعلومات للأجهزة الإدارية:
تستخدم نظم المعلومات جميع أنواع التكنولوجيا لتشغيل ومعالجة وتخزين ونقل المعلومات في شكل الكتروني وهو ما يعرف بتكنولوجيا المعلومات التي تشمل الحاسبات الآلية ووسائل الاتصال وشبكات الربط وأجهزة الفاكس وغيرها من المعدات. ويقوم نظام المعلومات بتشغيل البيانات وتقديمها للمستخدمين ـ ربما يكون فردا أو مجموعة من الأفراد ـ الذين يقومون بتشغيل مخرجات نظام المعلومات بأنفسهم نتيجة توفر الحاسبات الآلية. وربما تكون مخرجات العديد من النظم مستخدمة بشكل روتيني لأغراض الرقابة على أداء الجهاز الإداري نفسه أو لتبسيط تشغيل أوامر المستخدمين.

وتعتبر القرارات الخاصة بالتكنولوجيا المستخدمة في الجهاز الإداري العنصر الحاكم في نجاح ذلك الجهاز، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية 50% من رأس المال المستثمر في الأجهزة الإدارية يتعلق بالمعلومات، كما أن هناك حوالي 63 حاسب آلي لكل 100 عامل، بينما تقدر بعض المصادر أن واحد من كل ثلاثة من العاملين يستخدم الحاسب الآلي. كما تبلغ نسبة المديرين الذين يستخدمون الحاسب الآلي في أعمالهم حوالي 88%. وبلغ حجم إنفاق الشركات الأمريكية على تكنولوجيا المعلومات في عام 1996م 500 مليون دولار، بينما بلغ إجمالي الأموال المنفقة في العالم حوالي واحد تريليون دولار(4).

1-3 أنواع نظم المعلومات المستخدمة في الأجهزة الإدارية:
يمكن تقسيم نظم المعلومات التي تستخدم داخل الأجهزة الإدارية الحكومية للمعاونة في عمليات المستويات الإدارية المختلفة إلى أربعة أنواع رئيسية كما يلي:

1-3-1 نظم معالجة العمليات:
هي نظم للمعالجة الآلية للعمليات الروتينية الأساسية لدعم أنشطة التشغيل المختلفة داخل الجهاز الإداري، وأهم وظائف هذه النظم هي معالجة البيانات وإنتاج التقارير، ومن أمثلة نظم معالجة العمليات: نظام شئون الموظفين، نظام الشئون المالية، نظام المستودعات ومتابعة المخزون(2).

1-3-2 نظم المعلومات الإدارية:
تتألف من مجموعة من العمليات المنتظمة التي تدعم المستويات الإدارية المختلفة بالمعلومات اللازمة لمساعدتها في تنفيذ الأعمال واتخاذ القرارات داخل الجهاز الإداري، ومن أمثلة هذه النظم: نظام معلومات التسويق، نظام معلومات التمويل، نظام معلومات الإدارة العليا(8).

1-3-3 نظم دعم اتخاذ القرارات:
تقوم بدعم أنشطة اتخاذ القرارات داخل الجهاز الإداري، حيث تعتبر عملية اتخاذ القرار أساس العملية الإدارية. ويواجه الإداريين في الأجهزة الحكومية العديد من المشكلات المتعلقة بالتخطيط ووضع الخطط، وتحليل البدائل، واختيار أفضل الحلول للاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وغيرها(4). وينتج عن هذا التنوع من المشكلات تنوع في طبيعة وشكل المعلومات التي يحتاجها الإداريون، الأمر الذي يستدعي إنشاء نظم معلومات قادرة على تلبية الاحتياجات المعلوماتية المختلفة على كافة المستويات الإدارية، وفي مختلف المجالات الوظيفية خاصا أن اتخاذ قرار سليم أصبح إحدى التحديات التي تواجه مديري اليوم نظراً للتقلبات الهائلة في المجالات الإدارية في ظل الاتجاه نحو عولمة الأجهزة الإدارية وتعقد المتغيرات التي تواجهها(3).

1-3-4 نظم المعلومات المكتبية:
تهدف إلى تحسين كفاءة أعمال السكرتارية والعاملين في الجهاز الإداري عن طريق إمكانية إجراء تعديل أو تغيير في هياكل أنشطة المكاتب، وتستخدم هذه النظم تقنيات حديثة لتسهيل عمليات: تجهيز المعلومات، تخزين واسترجاع المعلومات، نقل المعلومات.

2- مظاهر تطبيق نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية:
تمضي نظم المعلومات والاتصالات قدماً وبشكل متسارع وتأتي مع كل يوم بجديد، ويمكننا القول بأنه أصبح للكمبيوتر والاتصالات دوراً رئيسياً في المجتمع بشكل عام وفي تطور أداء الأجهزة الإدارية الحكومية بشكل خاص. ومن المسلم به أنه من الصعب بمكان رسم صورة لنهاية المطاف لهذه التكنولوجيا. ولكن هذه التكنولوجيا لا تزال حتى الآن تتركز بشكل رئيسيي في بلدان العالم المتقدم، وبالتالي فإن دراسة منجزات هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها خاصة في مجال الإدارة الحكومية للأنشطة الحضرية بالمدينة، وكذلك دراسة المشروعات والتصورات المستقبلية في هذه الدول يساهم إلى حد بعيد بوضع النقاط الرئيسية لملامح مجتمع المستقبل(9).

2-1 ظهور ما يعرف بالحكومات الالكترونية:
مع تطور مفاهيم نظم المعلومات، وازدهار تكنولوجيا الحاسبات والاتصالات في النصف الثاني من القرن العشرين، ظهرت أنواع متعددة من نظم المعلومات المبنية على الحاسبات كل منها يسعى إلى تلبية احتياجات معينة في المجالات الإدارية المختلفة، وكل منها يعمل على الإسهام بشكل أو بآخر في تحسين فاعلية الأداء التنظيمي والإداري. وقد كان لذلك الأثر المباشر على الأجهزة الإدارية الحكومية، من حيث رفع كفاءتها وتحسين وتطوير طريقة أدائها(8).
وعلى ذلك ظهر ما يعرف بالحكومة الالكترونية التي تأخذ بالأساليب الحديثة من تكنولوجيا ونظم المعلومات بهدف تبسيط الإجراءات الإدارية في الحصول على الوثائق والقرارات والخدمات الحضرية المختلفة للمواطنين وبالتالي تسيير أعمالهم اليومية المتعلقة بالأجهزة والمؤسسات الحكومية المتعددة من خلال وسائل المعلومات والاتصالات، كما تهدف إلى مساعدة أصحاب القرار في الأجهزة الحكومية على اتخاذ القرار في الوقت المناسب(10).

2-2 تفاوت كبير في تطبيق نظم المعلومات:
المتأمل إلى المدن في مختلف أنحاء دول العالم المتقدم يجد تفاوتاً كبيراً من مكان لآخر في مدى استجابة الحكومات للمرحلة التي مرت حتى الآن من عمر ثورة نظم المعلومات والاتصالات. ففي أماكن مثل أوربا الغربية وأمريكا وماليزيا واليابان نجد تصوراً واضحاً للمرحلة القادمة واستعداداً حثيثاً لها، وذلك بمباشرة الحكومات بتطوير البنية التحتية الضرورية لخدمة المرحلة المقبلة وخاصة ما يعرف بطريق المعلومات فائق السرعة The Information Superhighway. وقد بدأت بالفعل التجارب في مدن تلك المناطق على مدى تأثير المفاهيم الناشئة والتصورات المستقبلية لها على طريقة أداء الوظائف الحضرية بها. وعلى سبيل المثال اعتبرت إدارة كلينتون منذ انتخابه 1992م أن الثورة الرقمية ـ من ناحية إنشاء البنية التحتية اللازمة لها ـ خاصة موضوع طريق المعلومات فائق السرعة قضية ذات أولوية رئيسية(11). وفي ماليزيا بدأ تنفيذ طريق المعلومات فائق السرعة منذ عام 1997م. وينتظر المشروع الماليزي الرائد خطوات عدة من التطور المستقبلي، تشمل تطوير سبع مناطق رئيسية لتنفيذ مشروعات الحكومة الالكترونية والبطاقات الذكية متعددة الأغراض والمدارس الذكية والخدمات الصحية عن بعد(12).
وعلى الجانب الآخر في دول العالم الثالث، نلاحظ مدي التخلف عن ركب التقدم والنقص التكنولوجي الواضح في كافة المجالات، فعلى سبيل المثال جاءت النسبة في قارة إفريقيا في مجال عدد خطوط الهواتف بمعدل خط هاتف واحد لكل 100 فرد عام 1995م، بينما كانت النسبة 50 خط هاتف لكل 100 فرد في أوروبا. ولا يختلف الوضع كثيراً في بعض دول آسيا عن أفريقيا، ففي اندونيسيا بلغت النسبة خطي هاتف لكل 100 فرد(13).

2-3 فروق واضحة في توفير الخدمة المعلوماتية:
يلاحظ أن هناك تفاوت في توفير الخدمات المعلوماتية على مستوى المدينة الواحدة، حيث يوجد ضمن المدينة الواحدة مناطق تنعم بكل الخدمات الحضرية ومناطق أخرى محرومة منها. وهذه الفروق موجودة على حد سواء في الدول النامية والمتقدمة. وطالما أن هناك فروقا واضحة بين المدن وعلى مستوى المدينة الواحدة في مدى توفر التكنولوجيا الحديثة (معلومات واتصالات) فهناك أيضا فروقاً في مدى تأثير هذه التكنولوجيا على تطور وتنمية المدينة بشكل عام. بالإضافة إلى أن طبيعة الفترة القصيرة التي تمت بها التغيرات التكنولوجية لم تسمح بظهور تغيرات واسعة النطاق بل بدأت التغيرات بالظهور هنا وهناك. فعلى سبيل المثال استطاعت شركات مثل IBM إغلاق مباني مكتبية كاملة واستعاضت عنها بمكاتب منتشرة في أنحاء المدينة ويعود أحد أسباب ذلك إلى تبني هذه المؤسسة تجربة العمل عن بعد(2). وقد ظهرت في بعض الدول كاليابان وكوريا مناطق خاصة ذات طابع تكنولوجي مثل مدينة تسوكوبا العلمية قرب طوكيو والتي تضم حوالي 50% من مؤسسات البحث العلمي في اليابان، وهي تعتبر من أكبر المجمعات العلمية في العالم. وفي بريطانيا تم إغلاق حوالي ثلث فروع البنوك المحلية منذ عام 1985م وحتى الآن بعد تبني مفهوم آلات صرف النقود الالكترونية(13).
ويتعرض الجزء التالي من البحث بدراسة التأثيرات المتوقعة لنظم المعلومات على الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية، ثم رصد الوضع الحالي لتلك الأجهزة من خلال إبراز أهم المشكلات التي تواجهها تلك الأجهزة، ثم بيان لأهم المعوقات التي تحول دون استخدام نظم المعلومات بالشكل الأمثل، أنظر الشكل رقم (2).
شكل رقم (2) رصد الوضع الحالي للأجهزة الإدارية الحكومية من تطبيق نظم المعلومات.

3- التأثيرات المتوقعة لنظم المعلومات على الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية:
يتضح مدى إمكانية تأثير نظم المعلومات على الأجهزة الإدارية في المدن العربية في ثلاثة نقاط هي: إحداث تحولات تنظيمية، وتغير في الوظائف الحضرية، وتغير في الإجراءات الإدارية.

3-1 إحداث تحولات تنظيمية:
أحد جوانب تأثير تكنولوجيا نظم المعلومات على الأجهزة الإدارية هو استخدامها لهياكل تنظيمية جديدة، يتم فيها تخفيض عدد المستويات الإدارية، وتوسيع نطاق الإشراف والرقابة، حيث يعتمد أسلوب الإشراف على العاملين على الثقة، ويقل التعامل المباشر والرقابة بين الرؤساء والمرؤوسين وبين الزملاء بعكس ما هو موجود في معظم الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية. ويتم الاعتماد على البريد الالكتروني والبرمجيات في تحقيق التنسيق بين الأفراد الذين يؤدون مهام مشتركة، ويقوم المسئولين بتفويض المزيد من مسئوليات اتخاذ القرارات للمستويات الأدنى مما يجعل الأجهزة الإدارية أكثر استجابة لعملائها ومنافسيها. وتوفر تلك التكنولوجيا إمكانية أن يعمل بعض أعضاء الجهاز الإداري عن بعد وبدون الحاجة للحضور الدائم إلى مكان العمل(4).

3-2 تغير في الوظائف الحضرية:
يتمثل هذا التأثير في تبلور مفاهيم وطريقة أداء المجتمع لوظائفه الحضرية التي بدأت بالظهور بالفعل، وجعل تطبيقاتها أكثر فاعلية. فعلى سبيل المثال سيؤدي وجود طريق المعلومات فائق السرعة ودمج أجهزة الاتصالات، وكذلك إمكانية الاتصالات وتبادل المعلومات دون حدود زمنية ومكانية إلى توسيع وتأكيد مفهوم الحيز الافتراضي وجعل التواجد ضمن هذا الحيز فعالاً لإنجاز كافة الأعمال التي يمكن أن تشملها تطبيقات هذا المفهوم. إن بلورة المفاهيم واكتمال فعالية تطبيقاتها من المؤكد أنه سيؤدي إلى تغيرات جذرية في طريقة أداء الوظائف الحضرية.
وعلى ذلك فإن تطور مفهوم الحيز الافتراضي سيؤدي إلى طريقة جديدة للتعامل مع الأجهزة الإدارية الحكومية ـ خاصاً الخدمية منها ـ من المنزل، فمع توفر الاتصالات التفاعلية من المنزل وعبر طريق المعلومات فائق السرعة سيكون بالإمكان إنجاز الخدمة من داخل المنزل عبر جهاز اتصال تفاعلي يمكن طالب الخدمة من التعامل مع الأجهزة الإدارية المختصة بالخدمات العامة كالكهرباء والتليفون والغاز واستخراج شهادة الميلاد والهوية وجوازات السفر وتصارح السفر، والتعامل أيضا مع الخدمات العمرانية والتعليمية والصحية والاجتماعية، بالإضافة إلى الخدمات التجارية والتجول في متاجر إلكترونية (افتراضية). وكذلك يمكنه طلب توصيل الخدمة إلى المنزل وتسديد قيمتها إلكترونياً(14).

3-3 تغيير في الإجراءات الإدارية:
تشير استقراءات العقود الماضية إلى أنه كانت ردود فعل الأجهزة الإدارية الحكومية المعنية بتقديم الخدمات الحضرية في الكثير من الدول النامية والدول العربية بطيئة جداً تجاه المشاكل التي كانت تتعرض لها مدنهم. وكذلك تميزت هذه الإدارات بغياب الديناميكية في تطبيق وتقييم ومتابعة سياسات تمس بصورة مباشرة استخدامات الأراضي وتوزيع الخدمات. فعلى سبيل المثال استغرق إلغاء العمل بسياسة التملك الواسع للأراضي المخصصة لتطوير المدينة ونقل ملكية هذه الأراضي إلى القطاع الحكومي 40 عاما في مدينة نيودلهي و21 سنة في مدينة دمشق بعد وضع هذه السياسة موضع التطبيق في كلا المدينتين رغم التأثيرات السلبية التي ظهرت من جراء تطبيق هذه السياسة منذ السنوات الأولى لتبنيها. ولكن مع سرعة التغييرات التكنولوجية الجارية في نظم المعلومات والاتصالات فسوف تتحسن كثيرا الصورة الحالية ويحدث لها العديد من التغييرات النظامية ويكون الاتجاه دوما إلى تبسيط الإجراءات وسرعة الإنجاز لملاحقة ركب التطور والتحديث(13).

4- المشكلات التي تواجهها الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية:
تعيش حاليا الأجهزة الإدارية الحكومية في معظم المدن العربية في ظل عدد من التطورات بعيدة المدى في ظل النظام العالمي الجديد الذي فرض على تلك الأجهزة الإدارية أن تستعد لتحمل أدوات ومسئوليات محورية غير تقليدية(14). فعلى امتداد سنوات القرن العشرين حدثت تغيرات وتطور في الأفكار والمفاهيم بشأن دور ومكانة الدولة وإسهاماتها المتوقعة في الرخاء والرفاهية للبشرية، وقد صاحب هذا التطور ـ في دور الدولة ـ جهود مستمرة لتطوير ورفع كفاءة وقدرات الأجهزة الإدارية والمؤسسات الحكومية(15).

4-1 الاعتقاد بعدم الحاجة الملحة إلى تطبيق نظم المعلومات:
إن الانطباع الذي يرسخ في الأذهان للوهلة الأولى أن البيئة الصحيحة لتطبيق نظم المعلومات هي بيئة القطاع الخاص وذلك لأنه يسعى للربحية في أسواق المنافسة، ويعمل في ظل بيئة تتسم بالتغيرات السريعة والفجائية والتي يصعب التنبؤ بها، كما إنه لا يخضع للقيود السياسية والاجتماعية التي تخضع لها الأجهزة الحكومية مما يجعله أكثر حرية في تغيير اتجاهات حركته ومجالات عمله في أي وقت يشاء. أما في الأجهزة الحكومية فالأمر يختلف، حيث تعمل تلك الأجهزة في ظل بيئة طرفها الأساسي هو الحكومة التي هي أكثر الكيانات استقراراً وسلطة في المجتمع، حيث يسعى المستهلك (طالب الخدمة) إليها خاصة في الدول النامية. وتعتبر تلك الخدمة أساسية ومعروفة، والربح مستبعد كهدف أساسي. وعلى ذلك يسود اعتقاد في الكثير من الدول العربية بعدم الحاجة أو الضرورة لتطبيق الأسس والمبادئ التي تدعو إليها نظم المعلومات(16).

4-2 غياب التنسيق وإهدار المال والجهد:
إن معظم الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية المعنية بتنمية المعلومات وتطبيق نظم المعلومات تغفل أهمية التنسيق، فكل دولة تضع خططها بمعزل عن جيرانها رغم تماثل المعطيات والظروف الاجتماعية والاقتصادية. فعلى الرغم من أن بعض الدول العربية قد أنشأت مراكز ضخمة للبحوث العلمية، وجمعت فيها العديد من التقنيين والمختصين الماهرين، وحاولت عن طريقهم تحقيق عدة إنجازات في مجال البرمجيات والمخترعات ونظم المعلومات، لكن تلك المؤسسات لم تنسق فيما بينها، مما جعلها تبدد أموالها وجهودها بسبب تضارب مشاريعها على مستوى الدول العربية. فعلى سبيل المثال كانت هناك عدة جهات عربية تعمل في وقت واحد على إنجاز مشروع القارئ الآلي العربي OCR لكن العاملين في تلك المشاريع لم يستفيد أي منهم من جهود الآخرين، وقد ظل الجميع ينفقون الجهد والمال في هذا المجال، ثم تخلى الجميع عن مشاريعهم دفعة واحدة عندما حققت شركة صخر خطوتها الرائدة في هذا المشروع. وهذا النوع من البحث العلمي الذي لا يتمتع بأي أفق استراتيجي، لا يكتفي بهدر الجهد والمال، بل إنه يهدر الفرصة العربية لتحقيق تنمية معلوماتية حقيقية(17).

4-3 القصور في الأجهزة الإدارية الحكومية:
تواجه الأجهزة الإدارية في المدن العربية تحديات عصرية عديدة خاصاً الأجهزة الخدمية مثل البلديات التي ترسم حضارة المدينة وتؤدي وظائف حيوية لها. فالمدينة القديمة ذات التاريخ العتيد هي نفسها المدينة التي يجب أن تقدم خدمات القرن الواحد والعشرين، والتي تواجه زيادة مضطردة في السكان، وتطوراً في احتياجات الأفراد من الخدمات المختلفة، بالإضافة إلى إنها تواجه التحدي الصناعي على مشارفها وما يجلبه من مشاكل بيئية. ويشير الواقع إلى أن هذه البلديات لا تقوم بالاستخدام الأمثل للموارد المعلوماتية المتاحة بأفضل الوسائل وأمثلها لتحقيق النتائج التي وجدت من أجلها، وكذلك لم تستفيد إدارات البلديات من تطبيق تقنية نظم المعلومات والمبادئ العلمية الإدارية الحديثة في مواجهة التحديات المعوقات حتى تتمكن من دفع عملية التطور الإداري في هذه المؤسسات الحيوية(18).

4-4 عدم اكتمال البنية التحتية للاتصالات والمعلومات:
على الرغم من الجهود الحثيثة للأجهزة الإدارية الحكومية في كثير من المدن العربية لمواكبة التطور التكنولوجي فإن الصورة بشكل عام غير مرضية. ويلخص المستشار الإقليمي للاتصالات وشبكات الكمبيوتر في اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا وضع المدينة العربية بقوله: "هناك عطش وجوع لكيفية دخول مجتمع المعلومات من باب واسع وليس من باب ضيق لأنه حتى الآن تعتبر أبوابنا ضيقة ونسبة انتشار الإنترنت واستخداماته في الدول العربية هي أقل من معظم دول العالم وهذا يعود لأسباب كبيرة أهمها أن البنية التحتية للاتصالات والمعلومات ليست بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه"(12). ولابد هنا من الإشارة إلى بعض الاستثناءات لبعض دول الخليج العربي التي خطت قدما إلى الأمام في هذا المجال، فعلى سبيل المثال في الإمارات العربية المتحدة يتم إجراء التجارب على التدريس عن بعد من أجل توسيع حقل التعليم الرسمي وغير الرسمي للسكان في المناطق النائية.

5- معوقات استخدام نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية:
بالرغم من أن الكثير من الأجهزة الإدارية الحكومية بالمدن العربية قد تمكنت من اقتناء الأجهزة والنظم المتطورة في مجال تكنولوجيا المعلومات، إلا أن معظمها لا يزال عاجزا عن تحقيق الاستفادة الكاملة من امكانات هذه الأجهزة والنظم، وتوظيفها كأداة فعالة في تنمية الموارد المعلوماتية للمجتمع. وتجمع الدراسات والبحوث التي تمت في مجال استخدام هذه التكنولوجيا في مختلف دول العالم الثالث بما فيها الدول العربية على أن هذه الدول تواجه مجموعة من القيود والمعوقات التي تعرقل عملية النقل الفعال لهذه التكنولوجيا المتطورة واستخدامها في إحداث تنمية حقيقة(19).
ويمكن تصنيف أهم المعوقات المتعلقة باستخدام نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية بالمدن العربية إلى ثلاثة معوقات رئيسية هي: معوقات تنظيمية وإدارية، ومعوقات بشرية، ومعوقات تقنية.

5-1 معوقات تنظيمية وإدارية:
إن أهم المعوقات المرتبطة باستخدام تكنولوجيا نظم المعلومات في المدن العربية هي انعدام التخطيط والتنسيق والرقابة على الأنشطة المتعلقة باستخدام هذه التكنولوجيا، وذلك كنتيجة لعدم وجود سياسة عامة فنية موحدة على مستوى الدولة في هذا المجال. وما يزال الاهتمام في معظم الدول العربية محدودا بعملية صياغة استراتيجية فنية موحدة تساعد في توحيد مفاهيم وأسس استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة ومقومات الاستخدام الأمثل لامكاناتها الكبيرة. وما يزال الاتجاه السائد هو نحو الحصول على أكثر ما يمكن من طاقات هذه التكنولوجيا بغض النظر عن مدى إمكانية الإدارات المختلفة في الانتفاع منها، مما يؤدي إلى الضياع والهدر في هذه الموارد العامة(20).
وفي دراسة ميدانية أجرتها إحدى الشركات الأجنبية على تسعة دول عربية وتضمنها تقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد كل عام في مدينة دافوس السويسرية، حيث تم تصنيف تلك الدول في ضوء علاقتها باستخدام وتطبيق نظم المعلومات داخل أجهزتها الإدارية الحكومية إلى ثلاث فئات كما يلي(17):
 دول ذات نمو سريع وهي الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت.
 دول ناشئة وهي الأردن ولبنان ومصر والمملكة العربية السعودية.
 دول نامية وهي سورية وعمان والمغرب.
ويشير الواقع العملي إلى وجود فجوة هائلة بين الفوائد المرتقبة التي يفترض أن تقدمها نظم المعلومات للأجهزة الإدارية بالدول العربية وبين الفوائد التي تم الحصول عليها بالفعل. ويرجع ذلك إلي سببين رئيسيين هما(3):
 أن نظم المعلومات قد تم إدخالها إلى الوحدات الإدارية بدون إجراء أية تغييرات في الهياكل التنظيمية أو في الإجراءات التشغيلية، فقد كان استخدام نظم المعلومات موجها أساسا لأتمتة الإجراءات اليدوية الموجودة.
 أنه يتم إدخال تقنية المعلومات في كل إدارة حكومية، وأحيانا في كل قسم من أقسام الإدارة بشكل مستقل عن الأقسام والإدارات الأخرى، ومن النادر وجود سياسة مشتركة بين الإدارات لتنفيذ واستخدام المعلومات في الأجهزة الإدارية.
وعلى ذلك فإن المشكلة الأساسية في معظم الدول العربية هي في الغياب الفعلي للسياسات الوطنية. ولقد أكدت ذلك العديد من الأبحاث في المؤتمرات والندوات التي عقدت في هذا المجال، وأشارت إلى ضرورة الإسراع ـ نظرا للحاجة الملحة ـ بوضع سياسة قومية في مجال نظم المعلومات واستخدام الحاسبات الالكترونية. وبالرغم من قبول هذه الفكرة من مختلف الحكومات في الكثير من الدول العربية إلا أن العدد القليل منها بدأ بنشاط فعال في هذا المجال(17).

5-2 معوقات بشرية:
يعتبر العنصر البشري هو أهم العناصر في أي نظام، إذ بدون هذا العنصر لا يمكن لأي نظام أن يحقق أهدافه المرجوة، فالمعدات والآلات والأجهزة وكل وسائل التقنية الحديثة ما هي إلا عناصر خاملة بدون العنصر البشري(18). وعلى الرغم من أن الدول العربية تتمتع برصيد بشري يبلغ حوالي 273 مليون نسمة أكثر من نصفهم في سن العمل (15-60 سنه) إلا أنهم لا يساهمون بشكل فاعل في تطوير واستخدام نظم المعلومات والحاسبات الالكترونية في الأجهزة الإدارية(20)، وذلك نظرا للخصائص التالية التي تشترك فيها معظم الدول العربية في هذا المجال وهي:
 نسبة الأمية العالية في الدول العربية والتي تصل إلى حوالي 39% في مقابل 22.5% على المستوى العالمي حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2002م(10).
 ندرة الكوادر الفنية المتخصصة في هذا المجال، وخاصة بالنسبة للكوادر التطويرية كالمحللين والمبرمجين ومهندسي الصيانة وغيرهم، حيث أن هذه الكوادر هي وحدها القادرة على الارتقاء بمستوى استخدام تكنولوجيا نظم المعلومات بشكل علمي وفعال. ولا تقتصر ظاهرة الندرة هذه على الدول العربية بل تمتد لتشمل معظم الدول النامية.
 الفجوة الكبيرة الفاصلة بين الفنيين العاملين في مجال نظم المعلومات وبين المستفيدين من هذه التكنولوجيا مما يجعل الاتصال والتفاهم بين هاتين الفئتين ضعيفا. ونتيجة لذلك يتم تصميم أنظمة لا تلبي حاجة المستفيدين في معظم الحالات، وهذا يعني هدر المزيد من الوقت والموارد. ولذلك يجب التركيز على تأمين الاتصال المناسب لإيجاد التنسيق المستمر والتعاون خلال جميع مراحل بناء الأنظمة منذ الدراسة الأولية وحتى الانتهاء من عملية التنفيذ والاختيار لضمان الوصول إلى أنظمة فعالة تلبي الاحتياجات الفعلية(19).
 تواجه استخدام نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية في بعض الدول العربية ـ خاصا ذات العمالة الكثيفة العدد ـ مشكلات ذات طابع اجتماعي نظرا لما تسببه الميكنة من تقليص فرص العمل وإلغاء الكثير من الوظائف، مما يؤدي إلى مقاومة العاملين لأي تكنولوجيا جديدة، ويخلق العديد من القضايا الاجتماعية.
 إمكانيات استخدام هذه التكنولوجيا في تهديد الحريات الشخصية للأفراد وغيرها من العوامل الاجتماعية سيكون له كبير الأثر في مقاومة استخدام هذه التكنولوجيا. وتشير بعض الدراسات إلى أن الشبكات الخاصة بالشركات والمؤسسات تتعرض للانتهاك بمعدل يتراوح من 12 إلى 15 مرة كل عام، وكلكما زاد التقدم التكنولوجي كلما أصبح من الصعب حماية شبكات المعلومات وكلما زادت تكلفة تلك الحماية، الأمر الذي يتطلب التخطيط لمواجهته والإعداد الثقافي والاجتماعي لتقبل هذه التكنولوجيا(4).
 اللجوء إلى استخدام الكوادر الأجنبية والاعتماد عليها في بعض الدول العربية وبشكل خاص تلك التي ذات إمكانات مالية وفيرة، وغالبا ما تكون هذه الكوادر أقل اهتماما ـ نتيجة لعدم الانتماء ـ بالتعرف على المتطلبات والاحتياجات الحقيقية للجهات التي تستخدم نظم المعلومات، بالإضافة إلى المشكلات الناجمة عن صعوبة الاتصال والتفاهم بين الكوادر الأجنبية والوطنية(10).

5-3 معوقات تقنية وفنية:
تتمثل المعوقات التقنية والفنية في ضعف انتشار تقنية نظم المعلومات والاتصالات في الكثير من الدول العربية، فبعض هذه التقنيات دخلت إلى الدول العربية في وقت متأخر نسبياً مقارنة بالدول المتقدمة، كما أن المحتوى العربي على الانترنت قليل نسبياً والتعامل مع أسماء مواقع الانترنت يكون باللغة الإنجليزية، الأمر الذي ساهم في إيجاد حاجز لدى اللذين لا يجيدون غير اللغة العربية. وللتغلب على ذلك لابد من إيجاد المزيد من المواقع العربية ودعم إيجاد مواصفات قياسية لوضع أسماء مواقع الانترنت باللغة العربية. ومن أسباب ضعف انتشار تقنية نظم المعلومات والاتصالات أيضا قلة الوعي العام بما توفره هذه التقنيات من خدمات، وهناك حاجة بلا شك في توعية الشعوب العربية بذلك(21). وعند مقارنة إحصائيات الدول العربية بإحصائيات الدول المتقدمة في مجال انتشار الهواتف الثابتة، كما في الشكل رقم (3)، أو في مجال انتشار الحاسبات الشخصية، كما في الشكل رقم (4)، أو في مجال انتشار الانترنت، كما في الشكل رقم (5)، نجد أن معظم الدول العربية لم تتجاوز المعدلات العالمية ولا تزال تحتاج إلى اتخاذ خطوات سريعة وجادة لزيادة هذه النسب، وذلك من اجل اللحاق بركب الدول المتقدمة، في حين أن بعض دول الخليج العربي قد تجاوزت المعدلات العالمية وتسير بخطى جادة في هذا المجال(22).
إن عدم توفر البنية التحتية المناسبة التي تضمن تقديم تلك الخدمات المعلوماتية بالشكل الجيد والتي تغطي جميع أنحاء الدول وبتكلفة مناسبة هو أيضا من الأسباب التي تعيق انتشار هذه التقنيات في بعض الدول العربية. ويقارن الشكل رقم (6) تكلفة خدمة الاتصال الهاتفي بالانترنت في بعض الدول العربية وبعض الدول المتقدمة، ونلاحظ أن تكلفة هذه الخدمات تعتبر عالية نسبياً في معظم الدول العربية، وخاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار أن متوسط دخل الفرد في الكثير من الدول العربية يقل عن مثيله في الدول المتقدمة(10).
ويمكن إجمال أهم المعوقات التقنية والفنية التي تواجه عملية الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا الحاسبات في الأجهزة الإدارية الحكومية بالدول العربية فيما يلي:
 صعوبة اختيار الأجهزة المناسبة نظرا للتعدد الكبير في الأنواع والنظم المختلفة، وعدم وجود أسس واضحة للمفاضلة بينها، بالإضافة إلى سرعة تطور هذه الآلات. ويزيد الأمر تعقيدا شدة المنافسة في سوق الحاسبات مما يجعل الاختيار صعبا. وقد تفرض أحيانا بعض الأنواع والأنظمة نفسها في السوق على عكس ما يرغب المستخدم في الحصول عليه.
 مشكلات تتعلق بتشغيل الأجهزة، كالأعطال وسرعة الإصلاح وإجراء عمليات الصيانة الوقائية ومسئولية الشركات الموردة والتزامها في تنفيذ التعهدات المختلفة. وكذلك المشكلات الناتجة عن عدم انتظام التيار الكهربائي وغيرها من المشكلات المرتبطة بظروف العمل كالرطوبة والحرارة وغيرها(2).
 السرعة الكبيرة لتقادم أجهزة الحاسبات الالكترونية، مما يؤدي في معظم الحالات إلى تغييرات كبيرة في الأنظمة القائمة، حيث يتطلب ذلك موارد مالية وفترة زمنية كبيرة، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة إجراء تقييم صحيح أو دراسة حقيقية للجدوى أو غير ذلك من القرارات الهامة.
 عدم إتباع الطرق العلمية لتحديد الاحتياجات اللازمة لمختلف وحدات وتجهيزات الحاسبات الالكترونية، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق القيام بدراسة للجدوى من الناحيتين الفنية والاقتصادية، مما يؤدي في النهاية إلى عدم التطابق بين الإمكانيات المتوفرة والاحتياجات الفعلية(19).

شكل رقم (3) انتشار أجهزة الهواتف الثابتة في بعض الدول عام 2001م(10). شكل رقم (4) انتشار الحاسبات الشخصية في بعض الدول عام 2001م(10).
شكل رقم (5) انتشار الإنترنت في بعض الدول عام 2001م(10). شكل رقم (6) تكلفة الاتصال الهاتفي بالإنترنت في
بعض الدول عام 2003م(10).


الخلاصة:
تعتبر المعلومات أحد الموارد الاستراتيجية في أي جهاز إداري، حيث لا يمكن أداء العديد من العمليات الأساسية أو اتخاذ أي قرار بدون الاعتماد على المعلومات، كما تعد المعلومات في الأجهزة الإدارية استثمارا يمكن استغلاله استراتيجيا للحصول على ميزة تنافسية. وعلى ذلك أصبحت الأجهزة الإدارية تنظر إلى نظم المعلومات كمجال يمكن من خلاله خلق الفرص أو إضافة قيمة لديها.
ولا شك أنه من الضروري إدراك التأثير الهائل للتطورات المتلاحقة في تكنولوجيا ونظم المعلومات على الأجهزة الإدارية الحكومية العربية، وانعكاس ذلك على الأنشطة الحضرية بالمدينة العربية. فسوف تتغير الكثير من أساليب تأدية تلك الأجهزة لأعمالها، ومن وسائل تحقيق تلك الأجهزة لأهدافها، وسوف يصاحب ذلك تغيير الكثير من المعتقدات التنظيمية السائدة. لقد أصبح لزاماً في ظل تكنولوجيا ونظم المعلومات أن تعيد الأجهزة الإدارية الحكومية في معظم المدن العربية اكتشاف نفسها، وتراجع تقييم خدماتها، والتركيز على طالب الخدمة، والهيكلية التنظيمية، واستخدام التكنولوجيا. وسوف يتوقف نجاح تلك الأجهزة على نحو أكثر من ذي قبل على فهم طبيعة التغير واستباق التكنولوجيا واستخدامها على نحو يوظف مزاياها.
إن بناء نظم للمعلومات في الأجهزة الإدارية الحكومية بالمدن العربية أصبح ضرورة ملحة لا بد منها، حيث أصبحت مصدراً جديداً لقوة تلك الأجهزة الإدارية يساهم في تحسين كفاءة وفاعلية الأداء. وعلى ذلك يجب على الأجهزة الإدارية الحكومية في المدن العربية أن تقوم برسم سياسات واستراتيجيات لتطوير موارد المعلومات لديها وتحفيز عملية الانتفاع من أنظمة المعلومات، بهدف تطوير وتنمية تلك الأجهزة بما يتماشى وينسجم مع التطورات الحادثة، وذلك لتحقيق نمو أكثر فاعلية في الخدمات الحكومية. وسوف يؤدي الفشل في الشروع في الوقت المناسب بنشاط فعال في هذا المجال إلى عواقب جدية تتصل بقدرة الأجهزة الإدارية الحكومية على توفير الدعم الفعال للتنمية العمرانية والاقتصادية والاجتماعية في المدينة العربية.


المراجع:1. عفيفي، أحمد كمال الدين & يوسف، وائل محمد، "المدينة العربية في ظل الحكومة الالكترونية"، ندوة الحكومة الالكترونية ـ الواقع والتحديات، مسقط، سلطنة عمان، مايو 2003م.
2. قنديلجي، عامر إبراهيم & السامراني، إيمان فاضل، "تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها"، مؤسسة الوراق، عمان، 2002م.
3. برهان، محمد نور، "إدارة أنظمة المعلومات الحكومية ـ عناصر الاستراتيجيات والسياسات"، (مترجم)، تقرير صادر عن دائرة التعاون الفني للتنمية بالأمم المتحدة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، عمان، 1994م.
4. حيدر، معالي فهمي، "نظم المعلومات مدخل لتحقيق الميزة التنافسية"، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2002م
5. العبد، جلال إبراهيم & الكردي، منال محمد، "مقدمة في نظم المعلومات الإدارية: النظرية ـ الأدوات ـ التطبيقات"، مطابع الدار الجامعية، الإسكندرية، 2000م.
6. محمود، حاتم محمود فتحي، "الثورة الرقمية وتأثيرها على عمارة القرن الحادي والعشرين"، رسالة ماجستير، كلية الهندسة، جامعة جنوب الوادي، أسوان، 2004م.
7. Gordon, Judith R. & Gordon, Steven R., “Information Systems: A Management Approach”, 2nd ed., New York: Harcourt Brace College publishers, The Dryden Press, 1999.
8. السيد، سمير إسماعيل، "نظم المعلومات الإدارية"، مكتبة عين شمس، القاهرة، 2000م.
9. Mitchell, “E-topia: The Future of Cities in the Digital Age”, Public lecture, web site: www.builtenvironment.com, Amman, February 2000. 
10. الفريح، إبراهيم صالح، "انتشار تقنيات المعلومات والاتصالات في الدول العربية وأثرها على مشاريع الحكومة الالكترونية"، ندوة الحكومة الالكترونية ـ الواقع والتحديات، مسقط، سلطنة عمان، مايو 2003م.
11. مصمودي، مصطفي، "العالم العربي وعصر المعلومات في ثورة المعلومات والاتصالات وتأثيرها في المجتمع والدولة بالعالم العربي"، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 1998م.
12. مجلة الثورة، مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر، العدد 11474، دمشق، 9 أيار 2001م
13. محمود، زكريا الشيخ، "استخدامات الأرضي والتصميم الحضري في مدن المستقبل"، ندوة مدن المستقبل، المعهد العربي لإنماء المدن، الرياض، 10-12 نوفمبر2001م.
14. رضوان، عبد السلام، " ثورة الانفوميديا ـ الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك"، عالم المعرفة، عدد يناير، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2000م. 
15. درويش، إبراهيم، "التنمية الإدارية"، دار النهضة العربية، الطبعة الرابعة، القاهرة، 1982م. 
16. أبو بكر، فاتن أحمد، "نظم الإدارة المفتوحة ـ ثورة الأعمال القادمة للقرن الحادي العشرين"، إيتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، 2001م. 
17. يوسف، حسن، "المنطقة العربية والفجوة الرقمية"، مجلة بي سي العربية، 1 مايو 2003م.
18. الجعفري، عبد الرحمن أحمد، "التحليل الإداري بداية الانطلاق لتطوير المدينة العربية"، المؤتمر السابع لمنظمة المدن العربية: أساليب الإدارة والتنظيم في خدمة المدن العربية المعاصرة، الجزائر، 1983م.
19. برهان، محمد نور، "استخدام الحاسبات الالكترونية في الإدارة العامة في الدول العربية ـ نظرة تحليلية ومستقبلية"، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، عمان، 1985م.
20. Shio, Martin J., “An Approach to Design of National Information Systems for Developing Countries”, Information Systems in the Public Administration, North-Holland Pub. Co., Amsterdam, 1983.
21. المتولي، محمد، تأهيل الكوادر البشرية لتطبيق الحكومة الالكترونية في الدول العربية، ندوة الحكومة الالكترونية ـ الواقع والتحديات، مسقط، سلطنة عمان، مايو 2003م.
22. الاتحاد الدولي للاتصالات ITU (www.ituarabic.org).